مشروعية الطلاق في الإسلام وفق قانون الأحوال الشخصية الكويتي
شرع الله تعالى الطلاق رحمةً بعباده، علاجاً عند استحكام الخلاف بين الزوجين،
مع أنه ليس من مقاصد الأصل في الزواج، بل آخر الحلول بعد استنفاد وسائل الإصلاح.
قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1984 وتعديلاته جاء منسجماً مع هذا الأصل:
فأقر مشروعية الطلاق بضوابط شرعية وقانونية دقيقة، وحدّد أنواعه وآثاره وشروط صحته، وأسند
الاختصاص لمحكمة الأسرة بتنظيم إجراءاته وتوثيقه بما يحفظ الحقوق ويمنع العبث بالعلاقة الزوجية.
أولاً: مشروعية الطلاق في الشريعة وأساسها في قانون الكويت
دلّ على مشروعية الطلاق قوله تعالى:
“الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” [البقرة: 229]،
وقوله تعالى: “وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته” [النساء: 130]،
وما ورد من الأحاديث وإجماع العلماء على جوازه عند الحاجة.
نص قانون الأحوال الشخصية الكويتي في الكتاب الثاني “فرق الزواج” على تعريف الطلاق
بأنه حل عقد الزواج الصحيح بإرادة الزوج أو من يقوم مقامه بلفظ مخصوص (مادة 97)،
وبيّن أنواعه وشروطه وأحكامه التفصيلية من المواد (97) وما بعدها، مستنداً إلى أصول الشريعة الإسلامية.
ثانياً: أسئلة وأجوبة تفصيلية وفق قانون الأحوال الشخصية الكويتي
ما تعريف الطلاق في القانون الكويتي، وكيف ينسجم مع التعريف الشرعي؟
في الشريعة: الطلاق هو حل رابطة الزواج بلفظٍ مخصوصٍ يصدر من الزوج أو من يفوّضه.
في قانون الأحوال الشخصية الكويتي: عرّفت المادة (97) من الكتاب الثاني “فرق الزواج”
الطلاق بأنه حل عقد الزواج الصحيح بإرادة الزوج أو من يقوم مقامه بلفظ مخصوص، وبذلك
يقرّر القانون ذات الحقيقة الشرعية، مع تنظيم الصيغة، والأهلية، وشروط النفاذ، بما يحقق
الانضباط الإجرائي ويحفظ استقرار الأسرة.
من صاحب الحق في إيقاع الطلاق وفق القانون الكويتي؟ وهل يملك القاضي هذا الحق مباشرة؟
الأصل أن الطلاق بيد الزوج، كما قرّرت النصوص الشرعية
(“الطلاق لمن أخذ بالساق”)،
ويترجم القانون ذلك بأن الطلاق يقع بإرادة الزوج العاقل البالغ المختار الواعي لما يقول (مادة 102)،
ويجوز أن يوكل غيره في إيقاعه وفق ضوابط خاصة (مادة 106).
أما القاضي، فلا “يُطلِّق” من تلقاء نفسه، بل:
- يُوقِع التفريق القضائي في حالات محددة نص عليها القانون (عدم الإنفاق، الضرر، الإيلاء، الهجر، الغيبة، الحبس، العيب، الشقاق… إلخ)،
وهذه الأحكام تُعد طلاقاً قضائياً أو فسخاً وفق نوع السبب ومواد القانون. - يختص بتوثيق الطلاق والتأكد من استيفاء أركانه وشروطه وضبط آثاره، من خلال محكمة الأسرة ومكاتب التوثيقات الشرعية.
بذلك يبقى مبدأ: العقد بيد الزوج، والحل بيده،
مع تمكين الزوجة من اللجوء للقضاء متى تضررت أو استحال دوام العشرة.
ما شروط صحة الطلاق في قانون الأحوال الشخصية الكويتي؟
- صفة المطلق: أن يكون عاقلاً، بالغاً، مختاراً، واعياً لما يقول.
فلا يقع طلاق المجنون أو المكره أو من غلب على أقواله الخلل (مادة 102). - محل الطلاق: أن تكون الزوجة في زواج صحيح، غير معتدة للغير (مادة 103).
- الصيغة: يقع باللفظ الصريح عرفاً، وبالكتابة أو الإشارة للمعتذر عن النطق مع نية الطلاق (مادة 104)،
ويشترط أن يكون منجزاً غير معلّق على شرط مستقبلي على وجه التحايل (مادة 105). - التوثيق: يجب توثيق الطلاق لدى الجهات المختصة (محكمة الأسرة / وزارة العدل)
طبقاً لقانون محكمة الأسرة وقانون التوثيق، لحفظ الحقوق وآثار الطلاق.
ما أنواع الطلاق في القانون الكويتي، وما علاقتها بالأحكام الشرعية؟
حدّدت المادة (98) وما بعدها نوعي الطلاق:
- طلاق رجعي: لا يزيل الزوجية فوراً، وللزوج حق الرجعة خلال العدة دون عقد جديد،
وهو الأصل في كل طلاق ما لم يرد نص أو وصف يجعله بائناً (مادة 110). - طلاق بائن: يزيل الزوجية فور وقوعه، ومن صوره:
- الطلاق قبل الدخول.
- الطلاق المكمل للثلاث.
- الطلاق على بدل (الخلع) وفق المواد (111 وما بعدها).
- بعض صور التطليق القضائي للضرر أو للغيبة أو للإيلاء وغيرها بحسب النص.
هذه التقسيمات منسجمة مع تقسيمات الفقه المذهبي، وتسمح بتنزيل الأحكام الشرعية بدقة عملية على الوقائع في محاكم الأسرة.
هل يعتد القانون الكويتي بالطلاق البدعي (كطلاق الحائض أو في طهر جامعها فيه)؟
الأصل الشرعي أن الطلاق البدعي (مخالف لهدي النبي ﷺ في الوقت والعدد) محرم،
واختلف الفقهاء في وقوعه من حيث الأثر.
قانون الأحوال الشخصية الكويتي لم ينص صراحة على عدم وقوع الطلاق البدعي، وإنما
ضبط شروط المطلق وصيغة الطلاق والزواج الصحيح، وترك تقدير بعض الصور لاجتهاد القضاء
في ضوء المذهب المعتمد وأصول الشريعة، مع اتجاه العمل القضائي إلى مراعاة مقاصد
الشريعة في منع التلاعب بالطلاق وتغليب مصلحة الأسرة.
في الوقائع العملية، ينبغي عرض الحالة تفصيلاً أمام محامٍ مختص؛ لأن أثر الطلاق البدعي
قد يختلف باختلاف الصيغة والظروف والبينات والفتوى المذهبية المطبقة.
ما دور محكمة الأسرة في تنظيم الطلاق في الكويت؟
- قانون محكمة الأسرة رقم 12 لسنة 2015 جعل محكمة الأسرة المختصة وحدها
بقضايا الطلاق، التطليق، الخلع، التفريق، والنفقة والحضانة وسائر المنازعات الأسرية. - يلزم في دعاوى الطلاق والتطليق (التي يجوز فيها الصلح) اللجوء أولاً
إلى مركز تسوية المنازعات الأسرية لمحاولة الإصلاح قبل عرض النزاع على المحكمة،
حفاظاً على كيان الأسرة قدر الإمكان. - تطبّق محكمة الأسرة أحكام قانون الأحوال الشخصية، مع الاستعانة باختصاصيين اجتماعيين ونفسيين وعلماء دين عند الحاجة.
هذا التنظيم يعكس أن الطلاق في القانون الكويتي ليس إجراءاً عشوائياً،
بل يتم تحت رقابة قضائية وتوثيق رسمي يضمن حماية الزوجة والأبناء والحقوق المالية.
ما هي صور الطلاق أو الفرقة التي يمكن أن تطلبها الزوجة أمام القضاء الكويتي؟
انسجاماً مع مقاصد الشريعة في رفع الضرر، منح قانون الأحوال الشخصية الزوجة عدداً من الوسائل، منها:
- التطليق لعدم الإنفاق: إذا امتنع الزوج عن النفقة مع قدرته أو عُرف إعساره ولم يرضَت الزوجة بالاستمرار.
- التطليق للضرر وسوء العشرة: عند إضرار الزوج بزوجته ضرراً لا تستقيم معه الحياة الزوجية.
- التطليق للغيبة أو الحبس أو الهجر: وفق مدد وضوابط محددة في القانون.
- الخلع: وهو طلاق على عوض برضا الطرفين وفق المواد (111 وما بعدها)، عندما تخشى الزوجة ألا تقيم حدود الله في حق الزوج.
بذلك يطبّق القانون عملياً مبدأ أن الطلاق باب رحمة للطرفين، وليس أداة تعسف من جانب واحد.
كيف يحمي القانون الكويتي حقوق الزوجة بعد الطلاق؟
- النفقة أثناء العدة: للزوجة المطلقة رجعياً نفقة كاملة، وللبائن وفق ما تقرره النصوص الشرعية والقانونية.
- المتعة: المادة (165) تقرر متعة للمطلقة بعد الدخول بما لا يجاوز نفقة سنة،
يراعي فيها حال الزوج، باستثناء حالات معينة (كالطلاق برضا الزوجة أو لسبب راجع إليها). - الحقوق المالية الأخرى: المهر غير المقبوض، مؤخر الصداق إن وُجد، وتسوية المنقولات إن ثبتت.
- حضانة الصغار ونفقتهم: ينظمها القانون على أساس مصلحة المحضون مع إلزام الأب بالنفقة ومسكن الحضانة وشروط الرؤية.
هذه الضمانات تجعل الطلاق في الإطار الكويتي ليس إسقاطاً لحقوق الزوجة،
بل انتقالاً من علاقة زوجية إلى علاقة حقوقية منضبطة تحفظ الكرامة للطرفين.
ما الضابط الشرعي والقانوني الأخير في اللجوء إلى الطلاق؟
الفقهاء قرروا أن الطلاق مباح مع الكراهة بلا حاجة، ويكون:
- واجباً: إذا توقّف على الفرقة دفع ضررٍ بالغ أو معصية.
- مستحباً: إذا غلب على الظن تعذر العشرة أو وقوع الحرام.
- محرماً: إذا خالف سنّة الوقت والعدد أو قصد به الظلم والعبث.
قانون الأحوال الشخصية الكويتي يعكس هذا الميزان:
فلا يشجع على الطلاق لمجرد الهوى، ويُلزم بمحاولات الصلح عبر مراكز التسوية ومحكمة الأسرة،
لكنه يفتح باب الفرقة المنظمة حين تتحول الحياة الزوجية إلى ضرر ومعاناة مستمرة.
وهكذا يبقى “فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” هو القاعدة العليا
التي يلتزم بها التشريع الكويتي في أحكام الطلاق والفرقة.
ثالثاً: خلاصة إنسانية
الطلاق في المنظور الإسلامي، كما نظمه قانون الأحوال الشخصية الكويتي،
ليس باب هدم للأسرة بقدر ما هو مخرج من ضيقٍ شديد وظلمٍ لا يُحتمل،
ووسيلة لحفظ كرامة الزوجين والأبناء عند استحالة استمرار الحياة.
فهنيئاً لمن أمسك بمعروف وتحمل مسؤولية إصلاح بيته،
وهنيئاً لمن سرّح بإحسان حين لم يبق في البقاء إلا الأذى،
فربّ فراقٍ كريم، أرحم من بقاءٍ مهين.
