في خطوة تشريعية جريئة، أعادت الدولة تفعيل أوامر الضبط والإحضار ضد المدينين بعد خمس سنوات من إلغائها بموجب قانون الإفلاس 2020، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في الشارع الكويتي بين من يرى في القرار إنصافًا للدائنين، وبين من يخشى أن يتحوّل إلى قنبلة اجتماعية تهدد الاستقرار الأسري.
العودة إلى الحبس… لماذا الآن؟
القانون الجديد الذي أُقر بموجب المرسوم رقم 58 لسنة 2025، يعيد النصوص التي كانت تجيز القبض على المدين المماطل، بعد أن كانت قد أُلغيت في 2020 تحت راية حماية المعسرين. الهدف المعلن: وقف التلاعب وتحقيق العدالة للـ1.4 مليون دائن لم يتمكنوا من تحصيل حقوقهم. ولكن، على الأرض، القصة أعمق.
راتب محجوز وأسرة بلا معيل
المشكلة الكبرى ليست في المدين المتهرب، بل في من يعاني فعليًا من إعسار حقيقي. فالقانون وإن اشترط ألا يُحجز إلا نصف الراتب، إلا أن الواقع أحيانًا يؤدي لحجزه بالكامل نتيجة تعدد القضايا. فماذا تبقّى لمن يعيل أسرة؟ وماذا يحدث حين يُسجن الأب وتُترك أسرته بلا دخل؟
ديون غير مرئية… وفتيات مهددات بالسجن
الخطر الأكبر اليوم ليس من القروض البنكية، بل من “ديون الظل” التي نشأت من تقسيط إلكتروني وشراءات ميسرة عبر تطبيقات مثل تمارا وتابي وعروض شركات الاتصالات. الكثير من الفتيات تورطن في التزامات لا تعرف عنها أسرهن شيئًا. ومع عودة الضبط والإحضار، قد نفاجأ بمدارس وجامعات تخلو من الطالبات، وسجون تمتلئ بهن!
من يقرض دون ضمان، يتحمّل النتيجة
أصل الأزمة أن البنوك والشركات تمنح القروض دون دراسة ملاءة العميل، ثم تلجأ للدولة لتنفذ الحكم بقوة القانون. بينما الأصل أن من يُقرِض، عليه أن يؤمّن نفسه بالتأمين، أو يطالب بضمانات حقيقية، لا أن يحوّل الدولة إلى محصّل قسري.
السؤال الأهم: من المستفيد الحقيقي؟
عودة الحبس لا تعني بالضرورة أن الدولة ربحت. نعم، قد يحصل الدائن على حقه، لكن هل تحمّل الأسرة المحطمة، والسمعة الحقوقية المتراجعة، والمشاكل الاجتماعية المترتبة… هي الثمن المقبول؟ أليس الأجدر أن نبتكر حلولًا أذكى، كتأمين ضد التعثر، أو تسوية ديون جماعية، أو تفعيل الإفلاس الشخصي بدل سجن المدين؟
البديل موجود… والإرادة هي الفاصل
كثير من الدول سبقتنا. البحرين ألغت الحبس لكنها فعّلت أدوات مالية صارمة، والأردن وضع سقفًا زمنيًا للحبس، والإمارات جرّمت حبس المعسر. فلماذا لا نأخذ بالأفضل من كل نموذج ونصنع تشريعًا كويتيًا فريدًا يحقق التوازن الحقيقي؟
حلول واقعية وعملية لمعالجة أزمة المدينين في الكويت
أولًا: حلول تشريعية وتنظيمية
- 1. إصدار قانون “الإفلاس الشخصي”: يسمح للمدين الحقيقي بإعادة جدولة ديونه وحمايته من الحبس.
- 2. تقنين الحبس ضمن قانون: بسقف زمني وإنساني، مع إعفاء المرضى والحالات الاجتماعية الخاصة.
- 3. إلزام البنوك وشركات التقسيط بالتأمين ضد التعثر: لتفادي تحميل الدولة تبعات التراخي في التحقق المالي.
- 4. تنظيم سوق “اشترِ الآن وادفع لاحقًا”: برقابة مصرفية، وسقف مديونية، وربط بالتقرير الائتماني.
ثانيًا: حلول اقتصادية واجتماعية
- 5. إنشاء صندوق وطني لمساعدة المعسرين: يُموَّل من الدولة والبنوك، ويعالج الديون الصغيرة أو الضرورية.
- 6. إطلاق مبادرة وطنية للتثقيف المالي: تشمل المناهج، والإعلام، والتدريب المجتمعي على إدارة الدخل.
ثالثًا: حلول إجرائية وتقنية
- 7. توسيع دور شركة المعلومات الائتمانية (CI-Net): لتشمل جميع الالتزامات بما فيها خدمات التقسيط والاتصالات.
- 8. تشريع “المعايير الأخلاقية للإقراض”: بإنشاء جهة رقابية على مؤسسات التمويل والتقسيط التجاري.
- 9. اعتماد بدائل الحبس: كمنع السفر، وتجميد التعاملات، وتعليق المعاملات الحكومية بدلاً من سجن المعسرين.
للتواصل القانوني أو الاستشارة الشخصية:
المحامي مشاري عبيد العنزي
رقم الاستشارات: +96597585500
نحو عدالة تحفظ الحقوق… وتحمي الأسرة.