جزاء مخالفة محاكم الموضوع لمبادئ محكمة التمييز في ظل الاختصاص القيمي الجديد
دراسة قانونية – فقه وقضاء مقارن – إعداد: المحامي مشاري عبيد العنزي
مقدمة
شهد النظام القضائي الكويتي مؤخراً تعديلاً جوهرياً في نطاق الطعن بالتمييز، بعد إقرار
الاختصاص القيمي لمحكمة التمييز، والذي ترتب عليه استبعاد فئات واسعة من الدعاوى من الرقابة القانونية العليا.
هذا التعديل أثار إشكالية قانونية مهمة:
ما هو أثر مخالفة محاكم الموضوع للمبادئ المستقرة لمحكمة التمييز في القضايا التي لا يجوز فيها الطعن؟
أولاً: الطبيعة القانونية لمبادئ محكمة التمييز
وفقاً للفقه والقضاء المقارن، تُعد مبادئ محكمة التمييز:
- تفسيراً ملزماً لكيفية تطبيق النص القانوني.
- إطاراً لتحقيق وحدة تطبيق القانون بين المحاكم.
- مرجعاً حصرياً لتفسير النصوص الغامضة.
- معياراً لرقابة صحة تسبيب الحكم.
وقد استقر القضاء الكويتي على أن العدول عن المبدأ لا يكون إلا من خلال محكمة التمييز ذاتها، وليس لمحاكم الموضوع الحق في إنشاء اتجاه مخالف.
ثانياً: حكم مخالفة محكمة الموضوع لمبدأ مستقر
مخالفة محكمة الاستئناف لمبدأ تمييز ثابت تُعد:
- خطأً في تطبيق القانون وفقاً لمبادئ التفسير القضائي.
- قصوراً في التسبيب لعدم بيان سبب العدول أو مخالفته.
- مخالفة لمبدأ وحدة تطبيق القانون بين المحاكم.
إلا أن هذا الخطأ – من الناحية العملية – لا يؤدي إلى بطلان الحكم ما لم يكن قابلاً للطعن.
ثالثاً: الإشكالية الحديثة بعد تطبيق الاختصاص القيمي
بعد تعديل قانون المرافعات واعتماد النصاب القيمي للطعن أمام محكمة التمييز، أصبحت:
- محكمة الاستئناف هي الدرجة النهائية في عدد كبير من القضايا.
- مبادئ التمييز – رغم أهميتها – لا وسيلة لفرضها أو تصحيح مخالفتها.
- تراجع مستوى توحيد التفسير القانوني بسبب غياب الرقابة العليا.
وهذا الوضع خلق سابقة قانونية خطيرة:
محكمة الموضوع تستطيع – عملياً – مخالفة مبدأ تمييز نهائي دون أي جزاء.
رابعاً: موقف الفقه المقارن (فرنسا – مصر – الأردن – الإمارات)
1- الفقه الفرنسي
يعتبر اجتهاد محكمة النقض ملزماً من الناحية العملية (حجية إقناعية قوية)، ويجب على محاكم الموضوع احترامه.
ومع ذلك، قرر الفقه:
إذا كان الحكم غير قابل للطعن فلا سبيل لإبطاله ولو خالف مبدأً مستقراً.
2- الفقه المصري
نصّ الفقه المصري بوضوح:
- قاضي الموضوع ملزم باتباع مبادئ محكمة النقض.
- مخالفتها قصور في التسبيب وخطأ في تطبيق القانون.
- لكن هذا القصور لا يرتب بطلاناً إذا لم يكن الحكم قابلاً للطعن.
3- الفقه الأردني
موقف الفقه الأردني مشابه: الحكم المخالف لا يُبطل إذا استنفدت طرق الطعن، لكنه يظل حكماً معيباً قانونياً.
4- الفقه الإماراتي
أكد الفقه أن مبادئ التمييز ملزمة، لكن عدم قابلية الحكم للطعن يجعل الخطأ غير منتج لجزاء.
خامساً: النتيجة الفقهية العامة (خلاصة المقارنة)
بعد جمع الآراء من الأنظمة المقارنة، يؤكد الفقه:
- محاكم الموضوع ملزمة بالمبادئ القضائية العليا.
- مخالفتها خطأ قانوني جسيم.
- لكن… لا جزاء ولا بطلان إذا أغلق طريق الطعن.
- وبالتالي، يصبح قاضي الاستئناف هو “قاضي القانون النهائي” في الدعاوى الصغيرة.
وهذا الاتجاه يمثل خللاً تشريعياً يجب معالجته حتى لا تفقد محكمة التمييز دورها في توحيد القضاء.
سادساً: الحلول القانونية المتاحة حالياً
رغم إغلاق طريق الطعن، ما زالت بعض الوسائل القانونية متاحة:
- إعادة طرح النزاع بصياغة قانونية تُدخله ضمن النصاب القيمي.
- إثارة الدفع بعدم الدستورية لحرمان المتقاضي من الرقابة التمييزية.
- الدفع بخطأ التطبيق في دعوى لاحقة لإلزام المحكمة باتباع الاجتهاد الأعلى.
خاتمة
يتضح من الدراسة أن مخالفة محاكم الموضوع لمبادئ محكمة التمييز في ظل انعدام طريق الطعن تشكل خللاً بنيوياً في النظام القضائي، يتعارض مع مبدأ وحدة تطبيق القانون، ويستدعي تدخلاً تشريعياً لإعادة التوازن بين درجات التقاضي.
للاستشارات القانونية في الكويت — مكتب المحامي مشاري عبيد العنزي
